لعل أقدم تناول مباشر للمنهج النقدي الاجتماعي يرجع إلى هيجل (ت. 1831م)، الذي ربط بين ظهور الرواية والتغيرات الاجتماعية، مستنتجا أن الانتقال من الملحمة إلى الرواية جاء نتيجة لصعود البرجوازية وما تملكه من هواجس أخلاقية وتعليمية. ومع فردريك أنجلز (ت. 1895م) اتضحت ملامح المنهج الاجتماعي، حيث دعا في رسائله وأعماله التراجيدية إلى ضرورة تعدد وجهات النظر المتناقضة في الرواية عند تصوير الوسط الاجتماعي بين الطبقتين المتضادتين : الأرستقراطية والبروليتارية.
في هذا الوقت، كان هيبوليت تين (ت.1893م) من خلال عدة مقالات، قد تطورت على يده النظرة الاجتماعية إلى الأدب بدعوته إلى إخضاع الدراسات المنجزة لطرائق البحث التي وظفت في مجال العلوم الطبيعية، مما جعل الكثير من المهتمين يصنفونه من الرعيل الأول لمؤسسي المنهج الاجتماعي، بالمعنى المتعارف عليه حاليا، فقد درس تين النظريات الاجتماعيـة التي سبقته (بيلينسكي و تشيرنيفيسكي ثم دوبر ليوبوف ...) مضيفا إليها بعدا اجتماعيا جديدا (العرق أو الجنس) لبعدي العصر والواقع الاجتماعي. فالإبداع الأدبي في نظره لا هو بالخيال ولا هو بالجمال إنه نقل لأحداث العصر وتعبير عن الإحساس بالانتماء العرقي. والعصر يدل عنده على اللحظة التاريخية المعيشة، أما العرق فهو الجنس الموروث والذي تتفاعل ضمنه الخصائص الجسمية والسمات النفسية.
ثم يأتي معاصره، كارل ماركس (ت. 1883م) ويقدم تعريفا مغايرا لمفهوم علاقة الإنسان بالبيئة الاجتماعية في إطار طبيعة العلاقة بين البنيات الاجتماعية والاقتصادية التحتية، والبنيات الفكرية والإبداعية الفوقية، حيث تتجلى إحدى صور الرؤية الفنية المادية للواقع الاجتماعي.
لقد ظل جانب من هذه الأفكار قائما لدى أنصار المنهج الاجتماعي في النقد الأدبـي، على امتداد القـرن العشرين، ومع جـورج لوكاتش (ت. 1971م) نجد إعادة نظر في النظرية الماركسية، من خلال الدعوة إلى تحقيق نوع من التوازن الموضوعي في العلاقة الجدلية القائمة بين الأدب والمجتمع. وعند لوسيان غولدمان (ت. 1970م) تتجاوز هذه العلاقة معظم التفسيرات السابقة، حيث أصبحت دراسة الواقع هي التي تمكن الباحث من اكتشاف طموحات الإنسان وأفكاره ومشاعره في علاقته بذاته ومجتمعه أولا، وفي مواجهته للجماعات الأخرى ثانيا، وهذا ما يسميه غولدمان (برؤيا العالم). هذه الرؤيا حسب العديد من الدارسين هي التي أصبحت الدعامة الأساسية للمنهج الاجتماعي في النص الأدبي.
وبذلك، غدا المنهج الاجتماعي في الأدب، هو ذلك المنهج الذي يعمد إلى قراءة النصوص الأدبية وتحليلها من وجهة تعبيرها عن الإنسان والمجتمع. وبهذا المعنى، فإن علم اجتماع الأدب باعتباره قسما من أقسام العلوم الاجتماعية، يبحث أساسا عن العلاقات التي تربط الإبداع الأدبي بالشروط الاجتماعية المؤطرة له، وذلك عبر التأويل الاجتماعي للإبداع وتتبع الخلفيات الاجتماعية المتحكمة في إنتاجه واستهلاكه، ومدى تعبيره عن الصراع الدائر في المجتمع.
وينطلق هذا المنهج من مبدأين اثنين :
-أولهما : يرى أن الأديب هو ابن بيئته لا يعيش معزولا عنها.
-ثانيهما : أن الإنتاج الأدبي هو جزء لا يتجزأ عن السياق الاجتماعي والواقع المعيش.
وبناء على هذين المبدأين، فإن المنهج الاجتماعي ينظر إلى الأدب من زاويتين اثنتين:
-الأولى : الأدب صورة للمجتمع، ومرآة عاكسة للانتماء الطبقي للأديب.
-الثانية : الأدب يخاطب المجتمع وهو صورة منه.
وقد حظي المنهج الاجتماعي بتجاوب واسع من طرف النقاد العرب في المشرق والمغرب، ومن أبرزهم : سلامة موسى، لويس عوض، نجيب العوفي، صلاح فضل، حميد لحمداني وإدريس الناقوري.